أبطال العالم في الشطرنج غياب شمس الشطرنج الكبرى « بوبي فيشر »بقلم : سمير منصور

بهدوء عظيم … ودون أي جلبة تذكر ! رحل بطل العالم السابق  » بوبي فيشر  » عن عمر ( 64 ) عام يوم الخميس الموافق 17 يناير 2008 في أحد مستشفيات ريكيا فيك بأيسلندا بعد صراع مرير مع مرض الفشل الكلوي. رحل حفيد العمالقة الذين صنعوا أعظم ثورة في مفاهيم الشطرنج وأسسوا لعصر الشطرنج الذهبي إبتداءً من « مورفي »، مروراً « بشتاينتز » و »لاسكر » و »كابابلانكا » و »اليخين » و »ريتي » و »نمزو فيش » و »آيوي » و »روبنشتين » و »بيرنيشتين » و »بوتفينك » و »تال » و »بتروسيان » و »سمسيلوف » و »كيريس » و »شتاين » و »غيلر » و »سباسكي » وإنتهاءً بشمس الشطرج الكبرى  » المعجزه بوبي فيشر « .
 »
بوبي فيشر  » الذي ظل مخلصاً لأسلافه العظماء طوال أكثر من ربع قرن قضاها في ترسيخ المفاهيم الجديدة لعصر نهضة الشطرنج وأفكار الثورة الذهبية لمن سبقوه في عقول الأجيال الصاعدة عبر أداءه الخارق وأسلوبه الأوحد في ما أصطلح خبراء الشطرنج المحدثين على تسميته  » الأسلوب الأمثل للعب الشطرنج « .وعملياً فإن العالم لم يخسر « بوبي فيشر » مع غروب شمس السابع عشر من كانون ثاني / 2008 ، بل خسره قبل خمسة وثلاثون عام وتحديداً عام 1973، حين انسحب « بوبي فيشر » من عالم الشطرنج إثر خلافات حادة مع الإتحاد الدولي للشطرنج وبعد إنتصاره المدوي على بطل العالم في ذلك الوقت المرعب الروسي « بوريس سباسكي » وانتزاعه منه لقب بطولة العالم.اشتهر « بوبي فيشر » بالكثير من الصفات المدهشة للاعب شطرنج مثل الذكاء الحاد والذاكرة الخارقة والصبر اللامحدود والثقة العظيمة بالنفس … والبحث الدؤوب عن كل جديد. إلا أن أكثر ما كان يميزه، دقته في اللعب وقدرته على انتزاع المبادأة في الافتتاح بطريقة مثيرة وبسرعة مدهشة، أن هذه المميزات التي كان يتمتع بها وترتبط ارتباطاً وثيقاً بقيمة الوقت ودقة إستغلاله في لعبة الشطرنج جعل أحد الخبراء يطلق على « بوبي فيشر  » أحد عقارب الساعة السويسرية  » ونظام فيشر  » الذي ابتدعه « بوبي » في المباريات وطبقه الإتحاد الدولي بعد ربع قرن على ابتكاره الذكي ليدل على عناية « فيشر » وإدارته للوقت ونظرته الثاقبة نحو الوصول إلى  » المباراة الشطرنجية المثالية والعادلة النموذجية ».تقول أخته الوحيدة  » جوانا فيشر  » والتي تكبره بخمس سنوات :  » لم يخطر ببالي يوماً حين إشتريت رقعة شطرنج وأهديتها لأخي الصغير « بوبي فيشر » وكان عمره في ذلك الحين ( 5 ) سنوات بأنه سيصبح بطل العالم في الشطرنج يوماً ما … إلا أنني كنت أشعر في ذلك الوقت بأن هذا الطفل العنيد سيكون له شأن عظيم في المستقبل ».نعم … كثيراً ما تظهر سمات العبقرية في مهدها.. ولا أدري ما كان سيؤول إليه الطفل بوبي فيشر لو لم تهده أخته « جوانا » رقعة الشطرنج وتعلمه كيف يلعبها وهو في الخامسة. إنه القدر .. بجانبه المضئ والذي سمح لنا أن نشاهد أعظم عبقرية شطرنجية على مر العصور وبواسطة الطفل العنيد والمشاغب والذي كان نادراً جداً ما تقنعه الألعاب الأخرى والتي حطم معظمها في حديقة المنزل الخلفية وفضل أن يطلق لمخيلته العنان والإبحار في آفاق المعجزة الهندسية ذات آل ( 64 ) مربع، ويبدع من خلالها أجمل أدوار يمكن لعبقري في الشطرنج أن يلعبها وعلى مر العصور . …هل سيخلو العالم من  » بوبي فيشر  » ؟ ! …. طبعاً لا ! ففي كل عصر جديد سيولد  » بوبي فيشر » آخر !!! ومع غياب شمس الشطرنج الكبرى … نحن بانتظار شمس أخرى تشرق على عالم الشطرنج !