فاسيلي سميسلوف Vassily Smyslov
بقلم : سمير منصور.
» دكتوراه مع مرتبة الشرف في الهندسة الشطرنجية »
« أينما نثر سميسلوف أحجاره على رقعة الشطرنج فإنك لابد أن تشعر بتلك الحيوية التي تدب في قطعه وتجد انسجاماً انيقاً بين اي اثنين منها »
ان إحساسه الهندسي بضعف المربعات في معسكر رسيله بلغ حد الإعجاز في كثير من أدواره الخالدة، وزاد هذا الإعجاز جمالاً الكيفية النوعية التي يستغل بها هذا الضعف والتي لا تضاهيها مهارة سوى مهارة أليخين في الاشتباكات الديناميكية.
هكذا تحدث الأستاذ الدولي الكبير ليلنتال عن أسلوب سميسلوف الفني في لعب الشطرنج وهكذا جاء وصفه الدقيق لأسلوب ظل حتى اليوم يعتبر من أنجح أساليب لعب الشطرنج الحديث والمرتبط ارتباطاً وثيقاً بنظرية كابابلانكا الشهيرة في علم الشطرنج (وضع القطعة المناسبة في المربع المناسب).
إن حيرة الأساتذة الكبار ذوي النزعة الهجومية الحادة أمثال كيريس وتال وبرونشتين وهم يلعبون أمام سميسلوف كانت تتمثل غالباً في كيفية إيجاد ثغرة ولو صغيرة جداً لاختراق الترابط الوثيق لقطع سميسلوف على الرقعة، بل إن هذا الترابط بين قطعة كان يصيب الكثير منهم بالجنون فلا يجدون وسيلة سوى المغامرة والهجوم بأي ثمن لمحاولة فعل شيئ أمام شجرة البلوط التي تتكسر على جذعها العواصف.
ولتوضيح ذلك للقارئ العزيز لم أجد مثالاً أفضل من الدور الشهير الذي لعبه سميسلوف أمام المهاجم المميت بول كيريس في تصفيات الطامحين إلى بطولة العالم عام 1953 في زيورخ وجاء هذا الدور تراجيدياً شن فيه بول كيريس هجوماً عاصفاً على جناح ملك سميسلوف والذي ظل هادئاً طوال الدور وبدا عليه عدم الاكتراث واستطاع أن يصد هجوم كيريس الخطير بلمسات سحريه قبل أن ينهي الدور لصالحه في النقله 28 وبالضربة الفنية القاضية .
ولد فاسيلي سميسلوف في 24 مارس من عام 1921 في مدينة موسكو في سن السابعة من عمره تعلق بلعبة الشطرنج وتعلمها بواسطة والده الذي كان يمارسها ويكن لها الكثير من مشاعر الحب والاحترام .
في سن الرابعة عشرة بدأ سميسلوف الدخول الى المعترك الحقيقي للعبة الشطرنج ( البطولات الرسمية ) وطوال ثلاث سنوات قضاها في الكفاح للوصول إلى أفضل مستوى ممكن، شكل سميسلوف لنفسه أسلوباً خاصاً في اللعب خاصة بعد أن درس بدقة تعليمات كبار المنظرين في علم الشطرنج أمثال نيمزوفيتش وريتي وأليخين واستدل شيئاً فشيئاً على القاسم المشترك الأكبر الذي يجمع هذه المدارس العتيدة في الشطرنج على اختلاف أساليبها وهو الانسجام والترابط بين القطع والتشكيلات البيدقية على الرقعة، وبرؤيته الخاصة لاحظ أهمية هذا المفهوم وتأثيره الواضح على نتائج الاشتباكات التكتيكية أو المناورات الموقفية والاستراتيجية.
واستطاع في سن السابعة عشرة أن يظفر بأول إنجاز حقيقي له بفوزه ببطولة موسكو المفتوحة، وبدأ نجمه يسطع بقوة في سماء موسكو الملبدة بالغيوم ويعلن على الملئ بأن بطلاً جديداً للعالم قادم بقوة موهبتة الفريدة وهندسته التي تحول رقعة الشطرنج إلى لوحة فنية .
في عام 1946 فاجأ سميسلوف الجميع بأسلوبه التقني الناجح في بطولة غروننجن الدولية وظفر بالمركز الثالث في بطولة ضمت أقوى لاعبي العالم آنذاك واعتبر سميسلوف عام 1948 من أقوى اللاعبين في العالم وتم اختياره من ضمن النخبة الأقوى في العالم للصراع على بطولة العالم بعد وفاة الأسطورة وبطل العالم آنذاك ألكسندر أليخين وهم ايوي وكيريس وبوتفنيك وفاين ورشيفسكي .
وفي التصفيات إلى لقب العالم الجديد سحق سميسليوف ماكس ايوي ( 3 – 2 ) ورشفسكي ( 4 – 1 ) ورغم أن بوتفنيك استطاع الفوز في النهاية وأصبح الوريث الشرعي لبطولة العالم إلا أن سميسلوف ظل يكافح للوصول إلى العرش وكشر عن أنيابه عام 1953 عندما فاز ببطولة الطامحين لبطولة العالم وتجاوز بول كيريس ورشفكي وبرونشتين ليصبح المتحدي لبطل العالم بوتفنيك على العرش تنتهي المواجهة المرتقبة بينه وبين بوتفنيك إلى نتيجة التعادل ( 12 – 12 ) ويبقى بوتفنيك بطلاً للعالم حسب قوانين الاتحاد الدولي آنذاك والتي كانت تنص على أن بطل العالم يحتفظ بعرشه في حالة انتهاء مباراة التحدي ( والمتكونة من 24 جولة ) بالتعادل لم ييأس سميسلوف العنيد وكان مثالاً للاعب الشطرنج الدؤوب والمكافح وخاصة أنه كان يواجه دائماً أحد أصلب لاعبي الشطرنج في التاريخ » ميخائيل بوتفنيك » والذي كانت محاولة زحزحته عن العرش بحاجة إلى معجزة !
إن استعداد سميسلوف من جديد للصراع مع بوتفنيك على عرش الشطرنج كان مضنيا، ولكن مثمراً في نفس الوقت، فرحلة استعداده مرت بفوزه ببطولات دولية قوية مثل هاستنغ وموسكو وزغرب .
في عام 1956 دخل سميسلوف مرًه أخرى معترك التصفيات لبطولة الطامحين لبطولة العالم في أمستردام وسحق كل خصومه بأسلوبه الألمع في بطولة مثيرة للغاية ويواجه بوتفنيك خصمه العتيد مرة أخرى في مواجهة اعتبرت بحق من أصعب المواجهات لبطلين على بطولة العالم واستطاع سميسلوف هذه المرة أن يثأر لنفسه بهندسته الفريدة في لعب الشطرنج وليصبح سابع بطل للعالم في تاريخ الشطرنج .
بقي ان نذكر اجمل ماقيل عن سميسلوف وهو ماقاله الاستاذ الكبير السويدي غيدون ستالبرج : معلقاً على الأداء الذي قدمه في بطولة العالم عام 1956 » أعتقد أن اللاعب الوحيد في العالم الذي لو لعب ضد نفسه وينتهي الدور بالتعادل فسيكون حتماً هو » فاسيلي سميسلوف »